استياء وغضب شديدان يُخيّمان على المواطنين الليبيين


تحليل تفاعل ردود أفعال مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حول أزمة تغيير مُحافظ البنك المركزي الليبي.

السياق العام:

لا تزال تبعات الانقسام السياسي في ليبيا تطفو إلى الواجهة؛ والصراعات المستمرة على السلطة لا تنفك إلا وتصل إلى المواطنين عن طريق أزمات متتالية تثقل كاهلهم وتفاقم معاناتهم.

إذ تشهد ليبيا أزمة سياسية واقتصادية حادة تتعلق بالتحكم في المناصب السيادية، وعلى رأسها منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي. الأزمة اندلعت بعد تحركات مجلس النواب لسحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي وتعيين الأخير محافظ جديد للمصرف المركزي، مما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، وأدى إلى انقسامات بين الجهات الحكومية المختلفة.

ففي ليلة 12 أغسطس تعالت نداءات النفير بمنطقة سوق الجمعة مع إغلاق الطرق وممرات السير بطريق الشط، وذلك رفضاً لما جاء في الأخبار حول عزم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إصدار قرار يقضي بإقالة رئيس مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير وتغيير مجلس الإدارة، لتتوالى بعدها الأحداث على هيئة أزمات طالت المواطن، وأثرت في حياتهم المعيشية.

في هذه الأثناء، سعى المركزي لإظهار نفسه كطرف معتمد دولي، خاصة بعد تلقي دعم من السفير الأمريكي والمبعوثة الأممية، لكن التوترات استمرت في التصاعد مع وصول الأزمة إلى الشارع الليبي حيث انعكست في شكل احتجاجات ونقص في الوقود وأزمات أخرى. في ظل هذه الفوضى، قامت الحكومة في الشرق بإعلان حالة القوة القاهرة على كافة الحقول والموانئ النفطية، مما زاد تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

لم تقتصر الأزمة فقط على الصراع حول منصب المحافظ، بل شملت أيضاً تداعيات أوسع مثل اختطاف موظف في المصرف المركزي، نقص الوقود، وتوترات مسلحة محتملة في طرابلس. إلى جانب الموقف السلبي للحكومة في طرابلس التي لم تتخذ خطوات فعالة لتهدئة الأوضاع، مما زاد استياء المواطنين وتفاقم الأزمات اليومية التي يعيشونها.

خلفية الصراع:

بالتزامن مع التحركات العسكرية والأوضاع المضطربة في مدينة طرابلس أصدر مجلس النواب يوم الثلاثاء 13 أغسطس قراراً يقضي بسحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي وإحالته لرئيس مجلس النواب، وذلك رداً على الأخبار المتداولة بشأن عزم المجلس الرئاسي بوضع قرار مجلس النواب رقم 3/2018 حيز النفاذ حول إقالة مٌحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير وتعيين محمد شكري الذي تعثر ممارسته مهامه بعد تعيينه عام 2018.

الأمر الذي اتخذه مجلس النواب قبل عدة سنوات، إلا أن رئاسة مجلس النواب أصدرت بتاريخ 20 أغسطس قرارا بإلغاء قرار تكليف محمد الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي، وذلك نتيجة لعدم مباشرة مهامه في المدة المحددة وفق قولهم، واستمرار العمل بقرار القاضي بتكليف الصديق الكبير محافظً للمركزي ومرعي البرعصي نائبا له.

الملخص التنفيذي:

خلال الفترة الممتدة من 12 حتى 25 أغسطس 2024 تفاعل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مرتفع مع الأحداث الجارية في العاصمة الليبية طرابلس حيث يظهر التقرير وجود إجمالي 25211 ألف ذكر حول الحدث، كان منها 23.3 ألف إشارة من مواقع التواصل الاجتماعي وحوالي 1.9 ألف من المواقع الإخبارية.

في حين تٌظهر إشارات الوصول إلى حوالي 147.4 مليون مستخدم على الصعيد العالمي؛ مما يظهر التأثير الواسع لهذه الإشارات على الجمهور، إذ تعد وسائل التواصل الاجتماعي ساحة للنقاشات والانتقادات حول الأزمة التي اندلعت حول تعيين كبار موظفي الهيئات العٌليا والمناصب السيادية بالدولة الليبية.

كما أظهرت البيانات أن حوالي 48.6% من الإشارات كانت سلبية، بينما كانت 24.1% إيجابية و27.3% محايدة، مما يعكس حالة الإحباط والاستياء من المواطنين تجاه أداء المجالس التنفيذية والتشريعية والمؤسسات الوطنية في التعامل مع الأزمات المتلاحقة، مثل نقص الوقود والنزاعات حول المناصب السيادية بين الجهات الحكومية.

بين مؤيدٍ ومعارض:

بين رافض ومؤيد لقرارات مجلس النواب، تتجه ليبيا إلى منعطف مسدود فـالمجالس التشريعية لا تنفك عن الخلافات، على الرغم من تأييد المجلس الأعلى للدولة برئاسة المشري لقرار مجلس النواب حول البقاء على الكبير كرئيس مجلس إدارة المركزي، إلا أنهم لم يتوافقوا حول أحقية مجلس النواب في اتخاذ قرارات فردية بدون الرجوع للمجلس الأعلى للدولة كقرار سحب صفة القائد الأعلى للجيش.

من جانبها تؤيد الحكومة في طرابلس قرارات المجلس الرئاسي بدون الخوض على نحو مباشر في الصراع الدائر حول مقعد المحافظ معلنة أن قرارات مجلس النواب تعد تجاوزات من شأنها أن تؤكد تخليهم عن التزاماتهم تجاه الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري وتعهداتهم للأطراف السياسية عبر إعلانهم المتكرر الذي يفيد بسحب الثقة من الحكومة سابقاً والرئاسي حالياً، في حين تؤيد القيادة العامة في الشرق والحكومة الموازية قرارات مجلس النواب جميعها مع تأكيدها المستمر في دعم الجسم السياسي الوحيد المنتخب من الشعب حسب وصفهم.

التأييد الدولي:

لا ينفك المركزي عن تعمده الظهور كطرف يتوافق عليه الغرب، فتزامناً مع قرار إقالته ظهر الكبير بجانب السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند في تونس بتاريخ 12 أغسطس كفرض للقوة معلناً بها عدم اعتباره لأي قرارات تقضي بتنحيه، تكرر الأمر ذاته خلال إعلان المركزي في ساعة متأخرة من ليلة 19 أغسطس عن تلقي رئيسه مكالمة هاتفية من نائبة المبعوث الأممي إلى ليبيا ستيفاني خوري مؤكدة فيها عن دعمها المستمر لسياسة المركزي، بالإضافة إلى تلقي الكبير مكالمة الدعم ذاتها من السفير البريطاني إلى ليبيا مارتن لونغدين
بالرغم من دعمها لرئاسة وسياسات الصديق الكبير لم تتضمن إحاطة ستيفاني أمام مجلس الأمن رسائل دعم له، حيث وضحت أن هذه الإجراءات الأحادية من شأنها أن تتسبب في تزايد التوترات في ليبيا، وتهدد حياة المدنيين وسكينتهم.

التوزيع الجغرافي:

ليبيا كانت الدولة الأكثر ذكرًا بنسبة 63% من الإشارات تليها مصر والولايات المتحدة بنسبة 6% لكل منهما. يدل هذا على أن النقاش العام حول هذه الأزمات كان في الغالب داخل ليبيا، وأن الجمهور المحلي يعبر عن استيائه من الوضع الراهن.

نتائج التحليل:

عكست أزمة المصرف المركزي الوضع السياسي المتأزم في ليبيا، مما زاد من معاناة المواطنين وجعل الحلول الفعلية بعيدة المنال. كان تفاعل المستخدمين السلبي مع هذه الأزمة واضحاً، إذ لم تكد حادثة اختطاف مدير إدارة تقنية المعلومات بالمصرف المركزي على أيدي مجهولين في طرابلس تحدث، حتى توالت الأزمات على المواطن.

حيث أعلن المصرف المركزي عن إيقاف كافة الخدمات المصرفية وإقفال منظومة المصرف حتى الإفراج عن الموظف المختطف، الذي لم يلبث ساعات قليلة حتى أفرج عنه بدون الاعلان عن اي تفاصيل حول الحادثة.

تزامن ذلك مع ظهور أزمة نقص الوقود بشكل مفاجئ، رغم إعلان شركة البريقة عن توفر الوقود في المستودعات. إلا أن هذا الأمر لم ينعكس على أرض الواقع، حيث يعاني الليبيون من ازدحام وتراصف في محطات الوقود المقفلة.
أخيراً، أعلنت الشركة عن أسباب الأزمة التي بررتها بتأخر ناقلات النفط عن الوصول في موعدها المحدد. وصلت بواخر الوقود أخيراً بعد أزمة دامت لمدة أسبوع.

ناهيك عن حالة الاضطراب التي يعاني منها المواطنون، فهم بين مطرقة المركزي وسندان الرئاسي، يعيش المواطن في ليبيا في حالة تأهب مستمرة نتيجة لمخاوف اندلاع الاشتباكات المسلحة في أي لحظة. يأتي ذلك تزامناً مع إعلان معظم التشكيلات المسلحة في طرابلس اتخاذها طرفاً سياسياً لمساندته، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء المستمر وشح السيولة النقدية في المصارف الليبية وصعوبة الحصول على الاحتياجات الأساسية.

من جانب آخر، كانت تصريحات السياسيين المستمرة حول عزمهم إقفال الموانئ النفطية سبباً في زيادة قلق المواطنين، مما ساهم في ارتفاع نسبة الأزمات التي يفتعلها تجار الأزمات نتيجة للأخبار والتصريحات المضللة، علماً بأنه في 5 من أغسطس، توقف حقل الشرارة أكبر حقل نفطي في ليبيا عن الإنتاج بشكل كامل، وذلك بعدما أغلقه محتجون محليّون من الجنوب الليبي، احتجاجا على تردي أوضاعهم المعيشية ولا تزال الدولة تتكبد خسائر هذا الإغلاق حتى الآن.

مع استمرار تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية، أعلنت الحكومة في الشرق في يوم 26 اغسطس حالة القوة القاهرة على جميع الحقول والموانئ النفطية، وأوقفت إنتاج وتصدير النفط إلى حين إشعار آخر، وذلك ردًا على أعمال اقتحام مقر المصرف المركزي في طرابلس من قبل القوات التابعة للرئاسي، وتمكين لجنة التسليم والاستلام لمجلس الإدارة الجديد من مباشرة أعمالهم من داخل المقر.

فبرغم تصريحات محمد الشكري حول عدم قبوله العمل بدون توافق المجالس التنفيذية والتشريعية، إلا أن اللجان المشكلة من الرئاسي لا تزال تمارس مهامها في فرض السيطرة على المركزي، وتستمر في إطلاق التصريحات حول اتباعهم الإجراءات الإدارية وسريان العمل بقرارات الرئاسي، متجاهلةً كافة المراسلات والمناشدات الدولية والمحلية التي ترفض هذا الأمر.

في حين شرع المحافظ بمصرف ليبيا المركزي المكلف من قبل المجلس الرئاسي عبد الفتاح عبد الغفار في أول مؤتمر صحفي له بتاريخ 27 أغسطس للحديث عن المستجدات حول خطط الادارة في تيسير مهام المركزي مؤكداً على التزام المصرف بالتشريعات المحلية والدولية.

الإجراءات الحكومية مع الأزمات:

في غياب واضح لدورها في طمأنة المواطنين لم تكلف الحكومة في طرابلس نفسها بوضع حلول جذرية لهذه الازمات، حيث اكتفت في مسألة الوقود بإصدار قرارات تقضي بإلزام شركات توزيع الوقود بفتح المحطات المقفلة، والعمل على مدار 24 ساعة، مع ايقاف وإحالة رئيس رئيس مجلس ادارة شركة البريقة لتسويق النفط للتحقيق الاداري.

في قضية المركزي، لم تتخذ الحكومة دوراً محورياً. ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الداخلية عماد الطرابلسي في 24 أغسطس، أعلن عن عزم الحكومة تنفيذ كافة قرارات المجلس الرئاسي المتعلقة بالمصرف المركزي، مؤكداً أن تأمين المصرف المركزي وكافة مؤسسات الدولة سيكون حصراً من اختصاص وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها.

على الرغم من التجاذبات والتصريحات المستمرة بين المصرف المركزي ولجنة التسليم والاستلام التابعة للمجلس الرئاسي، تصاعد الأمر ليشمل مكتب النائب العام الذي تلقى حسب المصادر الإخبارية، بلاغاً من الكبير بشأن واقعة اقتحام المصرف المركزي بتاريخ 25 أغسطس من قبل لجنة التسليم والاستلام المكلفة من قبل المجلس الرئاسي.

في حين طالب كل من مجلسي النواب والدولة النائب العام بضرورة التحقيق العاجل في حادثة اقتحام المقر الرئيسي لمصرف ليبيا المركزي، والتي جاءت بعد دخول لجنة التسليم والاستلام مقر المصرف المركزي صباح يوم الأحد 25 اغسطس، بالرغم من عدم وجود أي موظف نظراً لمنحهم إجازة مفتوحة من قبل الكبير حتى استقرار الأوضاع الأمنية في المصرف المركزي.